فصل: قال القرطبي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



لما كثر الدعاء من النبي صلى الله عليه وسلم والإصرار من الكفار وقالوا إن الله لعله يحتاج إلى عبادتنا حتى يأمرنا بها أمرًا بالغًا ويهددنا على تركها مبالغًا فقال تعالى: {أَنتُمُ الفقراء إِلَى الله والله هُوَ الغني} فلا يأمركم بالعبادة لاحتياجه إليكم وإنما هو لإشفاقه عليكم، وفي الآية مسائل:
المسألة الأولى:
التعريف في الخبر قليل والأكثر أن يكون الخبر نكرة والمبتدأ معرفة وهو معقول وذلك لأن المخبر لا يخبر في الأكثر إلا بأمر لا يكون عند المخبر به علم أو في ظن المتكلم أن السامع لا علم له به، ثم أن يكون معلومًا عند السامع حتى يقول له أيها السامع الأمر الذي تعرفه أنت فيه المعنى الفلاني كقول القائل زيد قائم أو قام أي زيد الذي تعرفه ثبت له قيام لا علم عندك به، فإن كان الخبر معلومًا عند السامع والمبتدأ كذلك ويقع الخبر تنبيهًا لا تفهيمًا يحسن تعريف الخبر غاية الحسن، كقول القائل: الله ربنا ومحمد نبينا، حيث عرف كون الله ربًا، وكون محمد نبيًا، وهاهنا لما كان كون الناس فقراء أمرًا ظاهرًا لا يخفى على أحد قال: {أَنتُمُ الفقراء}.
المسألة الثانية:
قوله: {إلى الله} إعلام بأنه لا افتقار إلا إليه ولا اتكال إلا عليه وهذا يوجب عبادته لكونه مفتقرًا إليه وعدم عبادة غيره لعدم الافتقار إلى غيره، ثم قال: {والله هُوَ الغني} أي هو مع استغنائه يدعوكم كل الدعاء وأنتم من احتياجكم لا تجيبونه ولا تدعونه فيجيبكم.
المسألة الثالثة:
في قوله: {الحميد} لما زاد في الخبر الأول وهو قوله: {أَنتُمُ الفقراء} زيادة وهو قوله: {إِلَى الله} إشارة لوجوب حصر العبادة في عبادته زاد في وصفه بالغني زيادة وهو كونه حميدًا إشارة إلى كونكم فقراء وفي مقابلته الله غني وفقركم إليه في مقابلة نعمه عليكم لكونه حميدًا واجب الشكر، فلستم أنتم فقراء والله مثلكم في الفقر بل هو غني على الإطلاق ولستم أنتم لما افتقرتم إليه ترككم غير مقضي الحاجات بل قضى في الدنيا حوائجكم، وإن آمنتم يقضي في الآخرة حوائجكم فهو حميد.
{إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ (16)}.
بيانًا لغناه وفيه بلاغة كاملة وبيانها أنه تعالى قال: {إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ} أي ليس إذهابكم موقوفًا إلا على مشيئته بخلاف الشيء المحتاج إليه، فإن المحتاج لا يقول فيه إن يشأ فلان هدم داره وأعدم عقاره، وإنما يقول لولا حاجة السكنى إلى الدار لبعتها أو لولا الافتقار إلى العقار لتركتها، ثم إنه تعالى زاد بيان الاستغناء بقوله: {وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ} يعني إن كان يتوهم متوهم أن هذا الملك له كمال وعظمة فلو أذهبه لزال ملكه وعظمته فهو قادر بأن يخلق خلقًا جديدًا أحسن من هذا وأجمل وأتم وأكمل.
{وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ (17)} أي الإذهاب والإتيان وهاهنا مسألة: وهي أن لفظ العزيز استعمله الله تعالى تارة في القائم بنفسه حيث قال في حق نفسه: {وَكَانَ الله قَوِيًّا عَزِيزًا} [الأحزاب: 25] وقال في هذه السورة: {إِنَّ الله عَزِيزٌ غَفُورٌ} [فاطر: 28] واستعمله في القائم بغيره حيث قال: {وَمَا ذلك عَلَى الله بِعَزِيزٍ} وقال: {عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ} [التوبة: 128] فهل هما بمعنى واحد أم بمعنيين؟ فنقول العزيز هو الغالب في اللغة يقال من عزيز أي من غلب سلب، فالله عزيز أي غالب والفعل إذا كان لا يطيقه شخص يقال هو مغلوب بالنسبة إلى ذلك الفعل فقوله: {وَمَا ذلك عَلَى الله بِعَزِيزٍ} أي لا يغلب الله ذلك الفعل بل هو هين على الله وقوله: {عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ} أي يحزنه ويؤذيه كالشغل الغالب.
{وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَى حِمْلِهَا لَا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى}.
وقوله تعالى: {وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أخرى وَإِن تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إلى حِمْلِهَا لاَ يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قربى} متعلق بما قبله، وذلك من حيث إنه تعالى لما بين الحق بالدلائل الظاهرة والبراهين الباهرة ذكر ما يدعوهم إلى النظر فيه فقال: {وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أخرى} أي لا تحمل نفس ذنب نفس فالنبي صلى الله عليه وسلم لو كان كاذبًا في دعائه لكان مذنبًا وهو معتقد بأن ذنبه لا تحملونه أنتم فهو يتوقى ويحترز، والله تعالى غير فقير إلى عبادتكم فتفكروا واعلموا أنكم إن ضللتم فلا يحمل أحد عنكم وزركم وليس كما يقول: أكابركم {اتبعوا سَبِيلَنَا وَلْنَحْمِلْ خطاياكم} [العنكبوت: 12] وفي الآية مسائل:
المسألة الأولى:
قوله: {وازرة} أي نفس وازرة ولم يقل ولا تزر نفس وزر أخرى ولا جمع بين الموصوف والصفة فلم يقل ولا تزر نفس وازرة وزرة أخرى لفائدة أما الأول: فلأنه لو قال ولا تزر نفس وزر أخرى، لما علم أن كل نفس وازرة مهمومة بهم وزرها متحيرة في أمرها ووجه آخر: وهو أن قول القائل ولا تزر نفس وزر أخرى، قد يجتمع معها أن لا تزر وزرًا أصلًا كالمعصوم لا يزر وزر غيره ومع ذلك لا يزر وزرًا رأسًا فقوله: {وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ} بين أنها تزر وزرها ولا تزر وزر الغير وأما ترك ذكر الموصوف فلظهور الصفة ولزومها للموصوف.
ثم قال تعالى: {وَإِن تَدْعُ مُثْقَلَةٌ} إشارة إلى أن أحدًا لا يحمل عن أحد شيئًا مبتدئًا ولا بعد السؤال، فإن المحتاج قد يصبر وتقضى حاجته من غير سؤاله، فإذا انتهى الافتقار إلى حد الكمال يحوجه إلى السؤال.
المسألة الثانية:
في قوله: {مُثْقَلَةٌ} زيادة بيان لما تقدم من حيث إنه قال أولًا: {وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أخرى} فيظن أن أحدًا لا يحمل عن أحد لكون ذلك الواحد قادرًا على حمله، كما أن القوي إذا أخذ بيده رمانة أو سفرجلة لا تحمل عنه، وأما إذا كان الحمل ثقيلًا قد يرحم الحامل فيحمل عنه فقال: {مُثْقَلَةٌ} يعني ليس عدم الوزر لعدم كونه محلًا للرحمة بالثقل بل لكون النفس مثقلة ولا يحمل منها شيء.
المسألة الثالثة:
زاد في ذلك بقوله: {وَلَوْ كَانَ ذَا قربى} أي المدعو لو كان ذا قربى لا يحمله وفي الأول كان يمكن أن يقال لا يحمله لعدم تعلقه به كالعدو الذي يرى عدوه تحت ثقل، أو الأجنبي الذي يرى أجنبيًا تحت حمل لا يحمل عنه فقال: {وَلَوْ كَانَ ذَا قربى} أي يحصل جميع المعاني الداعية إلى الحمل من كون النفس وازرة قوية تحتمل وكون الأخرى مثقلة لا يقال كونها قوية قادرة ليس عليها حمل وكونه سائلة داعية فإن السؤال مظنة الرحمة، لو كان المسئول قريبًا فإذن لا يكون التخلف إلا لمانع وهو كون كل نفس تحت حمل ثقيل.
ثم قال تعالى: {إِنَّمَا تُنذِرُ الذين يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بالغيب وَأَقَامُواْ الصلاة} إشارة إلى أن لا إرشاد فوق ما أتيت به، ولم يفدهم، فلا تنذر إنذارًا مفيدًا إلا الذين تمتلىء قلوبهم خشية وتتحلى ظواهرهم بالعبادة كقوله: {الذين آمنواْ} إشارة إلى عمل القلب {وَعَمِلُواْ الصالحات} إشارة إلى عمل الظواهر فقوله: {الذين يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بالغيب وَأَقَامُواْ الصلاة} في ذلك المعنى، ثم لما بين {أَن لا تَزِرُ وازرة وِزْرَ أخرى} بين أن الحسنة تنفع المحسنين.
فقال: {وَمَن تزكى فَإِنَّمَا يتزكى لِنَفْسِهِ} أي فتزكيته لنفسه.
ثم قال تعالى: {وإلى الله المصير} أي المتزكي إن لم تظهر فائدته عاجلًا فالمصير إلى الله يظهر عنده في يوم اللقاء في دار البقاء، والوازر إن لم تظهر تبعة وزره في الدنيا فهي تظهر في الآخرة إذ المصير إلى الله. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {يا أيها الناس أَنتُمُ الفقراء إِلَى الله} أي المحتاجون إليه في بقائكم وكل أحوالكم.
الزمخشرِيّ: فإن قلت لِم عرّف الفقراء؟ قلت: قصد بذلك أن يريهم أنهم لشدّة افتقارهم إليه هم جنس الفقراء، وإن كانت الخلائق كلهم مفتقرين إليه من الناس وغيرِهم؛ لأن الفقر مما يتبع الضعف، وكلما كان الفقير أضعف كان أفقر؛ وقد شهد الله سبحانه على الإنسان بالضعف في قوله: {وَخُلِقَ الإنسان ضَعِيفًا}، وقال: {الله الذي خَلَقَكُمْ مِّن ضَعْفٍ} [الروم: 54] ولو نكَّر لكان المعنى: أنتم بعض الفقراء.
فإن قلت: قد قوبل {الفقراء} ب{الغنيّ} فما فائدة {الحميد}؟ قلت: لما أثبت فقرهم إليه وغناه عنهم، وليس كل غنيّ نافعًا بغناه إلا إذا كان الغنيّ جوادًا منعمًا، وإذا جاد وأنعم حمده المنعَم عليهم واستحق عليهم الحمد ذكر {الحميد} ليدلّ به على أنه الغنيّ النافع بغناه خلقه، الجواد المنعم عليهم، المستحق بإنعامه عليهم أن يحمدوه.
وتخفيف الهمزة الثانية أجود الوجوه عند الخليل، ويجوز تخفيف الأولى وحدها وتخفيفهما وتحقيقهما جميعًا.
{والله هُوَ الغني الحميد} تكون هو زائدة، فلا يكون لها موضع من الإعراب، وتكون مبتدأة فيكون موضعها رفعًا.
قوله تعالى: {إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ} فيه حذف؛ المعنى إن يشأْ أن يذهبكم يذهبكم؛ أي يفنيكم.
{وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ} أي أطوع منكم وأزكى.
{وَمَا ذَلِكَ عَلَى الله بِعَزِيزٍ} أي ممتنع عسير متعذر.
وقد مضى هذا في إبراهيم.
{وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَى حِمْلِهَا لَا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى إِنَّمَا تُنْذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَمَنْ تَزَكَّى فَإِنَّمَا يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ (18)}.
تقدم الكلام فيه، وهو مقطوع مما قبله.
والأصل تَوْزَر حذفت الواو اتباعًا ليزر.
{وَازِرَةٌ} نعت لمحذوف، أي نفس وازرة.
وكذا {وَإِن تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إلى حِمْلِهَا} قال الفرّاء: أي نفس مثقلة أو دابة.
قال: وهذا يقع للمذكر والمؤنث.
قال الأخفش: أي وإن تدع مثقلة إنسانًا إلى حملها وهو ذنوبها.
والحملْ ما كان على الظهر، والحمَلْ حمل المرأة وحملة النخلة؛ حكاهما الكسائيّ بالفتح لا غير.
وحكى ابن السِّكيت أن حمل النخلة يفتح ويكسر.
{لاَ يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قربى} التقدير على قول الأخفش: ولو كان الإنسان المدعوّ ذا قربى.
وأجاز الفرّاء ولو كان ذو قربى.
وهذا جائز عند سيبويه، ومثله {وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ} [البقرة: 280] فتكون {كان} بمعنى وقع، أو يكون الخبر محذوفًا؛ أي وإن كان فيمن تطالبون ذو عسرة.
وحكى سيبويه: الناس مجزيون بأعمالهم إن خير فخير؛ على هذا.
وخيرًا فخير؛ على الأوّل.
وروي عن عكرمة أنه قال: بلغني أن اليهودي والنصرانيّ يرى الرجل المسلم يوم القيامة فيقول له: ألم أكن قد أسديت إليك يدًا؛ ألم أكن قد أحسنت إليك؟ فيقول بلى.
فيقول: انفعني؛ فلا يزال المسلم يسأل الله تعالى حتى ينقص من عذابه.
وأن الرجل ليأتي إلى أبيه يوم القيامة فيقول: ألم أكن بك بارًا، وعليك مشفقًا، وإليك محسنًا، وأنت ترى ما أنا فيه، فهب لي حسنة من حسناتك، أو احمل عني سيئة؛ فيقول: إن الذي سألتني يسير؛ ولكني أخاف مثل ما تخاف.
وأن الأب ليقول لابنه مثل ذلك فيرد عليه نحوًا من هذا.
وأن الرجل ليقول لزوجته: ألم أكن أحسن العِشرة لك، فاحملي عني خطيئة لعلي أنجو؛ فتقول: إن ذلك ليسير ولكني أخاف مما تخاف منه.
ثم تلا عكرمة: {وَإِن تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إلى حِمْلِهَا لاَ يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قربى}.
وقال الفُضيل بن عياض: هي المرأة تلقى ولدها فتقول: يا ولدي، ألم يكن بطني لك وعاء، ألم يكن ثديي لك سقاء، ألم يكن حجري لك وطاء؛ فيقول: بلى يا أماه؛ فتقول: يا بنيّ، قد أثقلتني ذنوبي فاحمل عني منها ذنبًا واحدًا؛ فيقول: إليكِ عني يا أماه، فإني بذنبي عنكِ مشغول.
قوله تعالى: {إِنَّمَا تُنذِرُ الذين يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بالغيب} أي إنما يقبل إنذارك من يخشى عقاب الله تعالى.
وهو كقوله تعالى: {إِنَّمَا تُنذِرُ مَنِ اتبع الذكر وَخشِيَ الرحمن بالغيب} [ياس: 11].
قوله تعالى: {وَمَن تزكى فَإِنَّمَا يتزكى لِنَفْسِهِ} أي من اهتدى فإنما يهتدي لنفسه.
وقرىء: {ومنِ ازَّكَّى فإنما يَزّكَّى لِنفسِهِ}.
{وَإِلَى الله المصير} أي إليه مرجع جميع الخلق. اهـ.

.قال أبو السعود:

{يا أيها الناس أَنتُمُ الفقراء إِلَى الله} في أنفسِكم وفيما يعنُّ لكم من أمرٍ مهمَ أو خطبٍ ملمَ. وتعريفُ الفقراءِ للمبالغةِ في فقرِهم كأنَّهم لكثرةِ افتقارِهم وشدَّةِ احتياجِهم هم الفقراءُ فحسب وأنَّ افتقارَ سائرِ الخلائقِ بالنسبةِ إلى فقرِهم يمنزلةِ العدمِ ولذلك قال تعالى: {وَخُلِقَ الإنسان ضَعِيفًا} {والله هُوَ الغنى الْحَمِيدُ} أي المستغنِي على الإطلاقِ المنعمُ على سائرِ الموجوداتِ المستوجبُ للحمدِ {إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ} ليسُوا على صفتِكم بل مستمرُّون على الطَّاعةِ أو بعالمٍ آخرَ غيرِ ما تعرفونَهُ {وَمَا ذلك} أي ما ذُكر من الإذهابِ بهم والإتيانِ بآخرينَ {عَلَى الله بِعَزِيزٍ} بمتعذرٍ ولا متعسرٍ.
{وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ} أي لا تحملٌ نفسٌ آثمةٌ {وِزْرَ أخرى} إثمَ نفسٍ أُخرى بل إنَّما تحملُ كلُّ منهما وزرَها. وأمَّا ما في قولِه تعالى: {وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالًا مَّعَ أَثْقَالِهِمْ} من حملِ المضلِّين أثقالًا غيرَ أثقالِهم فهو حملُ أثقالِ إضلالِهم مع أثقالِ ضلالِهم وكلاهما أوزارُهم ليس فيها من أوزارِ غيرِهم شيء {وَإِن تَدْعُ مُثْقَلَةٌ} أي نفسٌ أثقلَها الأوزارُ {إلى حِمْلِهَا} لحملِ بعضِ أوزارِها {لاَ يُحْمَلْ مِنْهُ شَىْء} لم تُجبَ بحملِ شيءٍ منه {وَلَوْ كَانَ} أي المدعُو المفهوم من الدَّعوةِ {ذَا قربى} ذا قرابةٍ من الدَّاعي. وقُرئ ذُو قُربى. وهذا نفيٌ للحملِ اختيارًا والأوَّلُ نفيٌ له إجبارًا {إِنَّمَا تُنذِرُ} استئنافٌ مسوق لبيان من يتَّعظُ بما ذُكر أي إنَّما تنذر بهذه الإنذاراتِ {الذين يَخْشَوْنَ رَبَّهُم بالغيب} أي يخشَونَه تعالى غائبينَ عن عذابِه أو عن النَّاسِ في خلواتِهم أو يخشَون عذابَه وهو غائبٌ عنهم {وَأَقَامُوا الصلاة} أي راعَوها كما ينبغي وجعلوها مَنَارًا منصوبًا وعَلَمًا مرفُوعًا أي إنما ينفعُ إنذارُك وتحذيرُك هؤلاءِ من قومِك دُون مَن عداهُم من أهل التَّمرد والعنادِ {وَمَن تزكى} أي تطهرَ من أوضار الأوزارِ والمعاصِي بالتَّاثرِ من هذهِ الإنذاراتِ {فَإِنَّمَا يتزكى لِنَفْسِهِ} لاقتصارِ نفعِه عليها كما أنَّ مَن تدنَّس بها لا يتدنَّس إلا عليها. وقُرئ من ازكَّى فإنَّما يزكَّى، وهو اعتراضٌ مقررٌ لخشيتهم وإقامِتهم الصَّلاةَ لأنَّها من معظمِ مبادِي التزكِّي {وإلى الله المصير} لا إلى أحدٍ غيرهِ استقلالًا أو اشتراكًا فيجازيهم على تزكِّيهم أحسنَ الجزاء. اهـ.